فصل: تفسير الآية رقم (20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (20):

{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)}
قوله: {وََجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى} قال الضحاك: هو مؤمن آل فرعون. وقال شعيب: اسمه شمعون. وقال محمد بن اسحاق: شمعان. وقال الضحاك والكلبي: اسمه حزقيل بن شمعون. قال الكلبي: هوابن عم فرعون أخي أبيه.
{قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ} فيه تأويلان:
أحدهما: يتشاورون في قتلك، قاله الكلبي، ومنه قول النمر بن تولب:
أرى الناس قد أحدثوا شيمة ** وفي كل حادثة يؤتمر

الثاني: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك ومنه قوله {وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِالْمَعْرُوفِ} [الطلاق: 6] أي ليأمر بعضكم بعضاً وكقول امرئ القيس:
أحارِ بن عمرٍو كأني خَمِرْ ** ويعدو على المرء ما يأتمر

.تفسير الآيات (21- 24):

{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}
قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ} قال عكرمة: عرضت لموسى أربع طرق فلم يدر أيتها يسلك.
{قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ} وفيه وجهان:
أحدهما: أنه قال ذلك عند استواء الطرق فأخذ طريق مدين، قاله عكرمة.
الثاني: أنه قال ذلك بعد أن اتخذ طريق مدين فقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي قصد الطريق إلى مدين، قاله قتادة والسدي. قال قتادة: مدين ماء كان عليه قوم شعيب.
قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ} قال ابن عباس: لما خرج موسى من مصر إلى مدين وبينه وبينهما ثماني ليل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه.
{وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ} أي جماعة. قال ابن عباس: الأمة أربعون.
{يَسْقُونَ} يعني غنمهم ومواشيهم.
{وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} فيه وجهان:
أحدهما: تحبسان، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر:
أبيتُ على باب القوافي كأنما ** أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا

الثاني: تطردان. قال الشاعر:
لقد سلبت عصاك بنو تميم ** فما تدري بأيِّ عصى تذود

وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس. قاله أبو مالك والسدي.
الثاني: أنهما تذودان الناس عن غنمهما، قاله قتادة.
الثالث: تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس، حكاه يحيى بن سلام.
{قَالَ مَا خَطْبَكُمَا} أي ما شأنكما، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم.
{قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ} والصدور الانصراف، ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه. والرعاء جمع راع.
وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان:
أحدهما: تصوناً عن الاختلاط بالرجال.
الثاني: لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما.
{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} وفي قولهما ذلك وجهان:
أحدهما: أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما.
الثاني: قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما.
{فَسَقَى لَهُمَا} فيه قولان:
أحدهما: أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما، قاله ابن إسحاق.
الثاني: أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها بنفسه وسقى لهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولم يستق إلا ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم.
{ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} قال السدي: إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة.
{فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} قال ابن عباس: قال موسى ذلك وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع.
قال الضحاك: لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض؛ فعرض لهما بحاله فقال {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} فيه قولان:
أحدهما: شبعة من طعام، قاله ابن عباس.
الثاني: شبعة يومين، قاله ابن جبير.

.تفسير الآيات (25- 28):

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
قوله تعالى: {فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَآءٍ} قال ابن عباس: فاستبكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حُفّلا بطاناً فقال لهما: إن لكما اليوم لشأناً فأخبرتاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه فجاءته تمشي على استحياء، وفيه قولان:
أحدهما: أنه استتارها بكم درعها، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الثاني: أنه بعدها من النداء، قاله الحسن.
وفي سبب استحيائها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير عناء.
الثاني: لأنها كانت رسولة أبيها.
الثالث: ما قاله عمر لأنها ليست بسلفع من النساء خَرَّاجة ولاّجة.
{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} وفي أبيها قولان:
أحدهما: أنه شعيب النبي عليه السلام.
الثاني: أنه يثرون ابن أخي شعيب، قاله أبو عبيدة والكلبي.
وكان اسم التي دعت موسى وتزوجها: صفوريا. واسم الأخرى فيه قولان:
إحدهما: ليا، قاله ابن اسحاق.
الثاني: شرفا، قاله ابن جرير.
{لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} أي ليكافئك على ما سقيت لنا فمشت أمامه فوصف الريح عجيزتها فقال لها: امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت.
{فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} أي أخبره بخبره مع آل فرعون.
{قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال ابن عباس: يعني أنه ليس لفرعون وقومه عليّ سلطان ولسنا في مملكته.
قوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَآ أَبَتِ أَسْتَأْجِرْهُ} والقائلة هي التي دعته وهي الصغرى يعني استأجره لرعي الغنم.
{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} فيه قولان:
أحدهما: القوي فيما ولي، الأمين فيما استودع، قاله ابن عباس.
الثاني: القوي في بدنه، الأمين في عفافه. وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها: وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت: أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى.
قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} فروى عبد الرحمن بن زيد أن موسى قال: فأيهما تريد أن تنكحني؟ قال: التي دعتك، قال: لا إلا أن تكون تريد ما دخل في نفسك عليها فقال: هي عندي كذلك فزوجه وكانت الصغيرة واسمها صفوريا.
{عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حَجَجٍ} يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منها، والعمل رعي الغنم.
واختلف في هذه الثماني حجج على قولين:
أحدهما: أنها صداق المنكوحة.
الثاني: أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق.
{فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرَاً فَمِنْ عِنْدِكَ} قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عِدة منه فقضى الله عنه عِدته فأتمها عشراً.
{وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} فيه قولان:
أحدهما: من الصالحين في حسن الصحبة. قاله ابن إسحاق.
الثاني: فيما وعده به.
حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلىموسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن. وقال غير يحيى: بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بُلْقاً.
قوله تعالى: {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} قال السدي: لا سبيل عليّ.
{وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قول السدي: شهيد.
الثاني: حفيظ، قاله قتادة.
الثالث: رقيب، قاله ابن شجرة.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى؟ فَقَالَ أَبَرُّهُمَا وَأَوفَاهُمَا».

.تفسير الآيات (29- 32):

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}
قوله: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ} يعني العمل الذي شُرِطَ عليه.
{وَسَارَ بِأَهْلِهِ} أي بزوجته.
{ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً} أي رأى، وقد يعبر عن الرؤية بالعلم.
{قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بخبر الطريق الذي أراد قصده هل هو على صوبه أو منحرف عنه.
الثاني: بخبر النار التي رأها هل هي لخير يأنس به أو لشر يحذره.
{أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ} فيها أربعة أوجه:
أحدها: الجذوة أصل الشجرة فيها نار، قاله قتادة.
الثاني: أنها عود في بعضه نار وليس في بعضه نار، قاله الكلبي.
الثالث: أنها عود فيه نار ليس له لهب، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: أنها شهاب من نار ذي لهب، قاله ابن عباس. قال الشاعر:
وألقي على قبس من النار جذوة ** شديدٌ عليها حميها والتهابها.

{لَعلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي تستدفئون.
قوله تعالى: {فَلَمَّآ أَتَاهَا} يعني النار أي قرب منها.
{نُودِيَ مِن شَاطِيءِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارََكَةِ} وهي البقعة التي قال الله فيها لموسى {اخلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طَوًى}.
واحتمل وصفها بالبركة وجهين:
أحدهما: لأن الله كلم فيها موسى وخصه فيها بالرسالة.
الثاني: أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف.
ثم قال تعالى: {مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها، لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصوراً على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتاً لوحدانيته ونفياً لربوبية غيره، وصار بهذا الكلام من أصفياء الله من رسله لأنه لا يصير رسولاً إلا بعد أمره بالرسالة، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام.
فإن قيل: فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ؟
قيل: عنه جوابان:
أحدهما: أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعةوصار إضافتها إلى البقعة أعم.
الثاني: أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة، قاله ابن عباس، والشجرة هي العليق وهي العوسج.
قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهاناً عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهاناً له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه.
فإن قيل: فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً؟
قيل لأمرين:
أحدهما: رأى ما خالف العادة فخاف.
الثاني: أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم.
{ولَمْ يُعَقِّبْ} فيه وجهان:
أحدهما: ولم يثبت، اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم.
الثاني: ولم يتأخر لسرعة مبادرته.
ويحتمل ثالثاً: أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه.
{يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: الآمنين من الخوف.
الثاني: من المرسلين لقوله تعالى: {إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} قال ابن بحر: فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول. وعلى التأويل الأول يصير رسولاً بقوله: {فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإِئْهِ} والبرهانان اليد والعصا.
وفي قوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وجهان:
أحدهما: أن الجناح الجيب جيب القميص وكان عليه مدرعة صوف.
الثاني: أن الجيب جنب البدن.
{مِنَ الرَّهْبِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الرهب الكُمّ، قاله مورق.
الثاني: أنه من الخوف.